سورة النساء - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم} الحذر احتراز من مخوف والمعنى احذرو واحترزوا من عدوكم. ولا تمكنوه من أنفسكم وقيل المراد بالحذر هنا السلاح يعني خذوا سلاحكم وعدتكم لقتال عدوكم وإنما سمي السلاح حذراً لأن به يتقى ويحذر. وقيل معناه احذروا عدوكم ولقائل أن يقول إذا كان المقدور كائناً فما يمنع الحذر فالجواب عنه بأنه لما كان الكل بقضاء الله وقدره كان الأمر بأخذ الحذر من قضاء الله وقدره {فانفروا ثبات} أي اخرجوا سرايا متفرقين سرية بعد سرية {أو انفروا جميعاً} يعني أو اخرجوا جميعاً كلكم مع نبيكم صلى الله عليه وسلم إلى جهاد عدوكم {وإن منكم لمن ليبطئن} نزلت في المنافقين. وإنما قال منكم لاجتماعهم مع أهل الإيمان في الجنسية والنسب وإظهار كلمة الإسلام لا في حقيقة الإيمان والمعنى وإن منكم لمن ليتأخرن وليتثاقلن عن الجهاد وهو عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق وكان رأس المنافقين {فإن أصابتكم مصيبة} أي قتل وهزيمة {قال} يعني هذا المنافق {قد أنعم الله علي} يعني بالقعود {إذا لم أكن معهم} يعني مع المؤمنين {شهيداً} يعني حاضر الوقعة فيصيبني ما أصابهم {ولئن أصابكم فضل من الله} أي فتح وغنيمة {ليقولن} يعني هذا المنافق {كأن لم تكن بينكم وبينه مودة} أي معرفة ومودة في الدين والمعنى كأنه ليس من أهل دينكم وذلك أن المنافقين كانوا يوادّون المؤمنين في الظاهر {يا ليتني كنت معهم} في تلك الغزوة التي غنم فيها المؤمنون {فأفوز فوزاً عظيماً} أي فآخذ نصيباً وافراً من الغنيمة.
قوله عز وجل: {فليقاتل في سبيل الله} هذا خطاب للمنافق أي فليخلص الإيمان وليقاتل في سبيل الله وقيل هو خطاب للمؤمنين المخلصين أي فليقاتل المؤمنون في سبيل الله {الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة} أي يبيعون يقال شريت بمعنى لأنه استبدال عوض بعوض. والمعنى فليقاتل المؤمنون الكافرين الذين يبيعون حياتهم الدنيا بثواب الآخرة وما وعد الله فيها لأهل الإيمان والطاعة وقيل معناه فليقاتل في سبيل الله المؤمنون الذين يبيعون الحياة الدنيا ويختارون الآخرة وثوابها على الدنيا الفانية {ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل} أي فيستشهد {أو يغلب} يعني يظفر بعدوه من الكفار {فسوف نؤتيه} يعني في كلا الحالتين الشهادة أو الظفر نؤتيه فيهما {أجراً عظيماً} يعني ثواباً وافراً.
(ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجرٍ أو غنيمةٍ» لفظ مسلم.


قوله عز وجل: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله} قال المفسرون: هذا حض من الله على الجهاد في سبيله لاستنقاذ المؤمنين المستضعفين من أيدي الكفار وفيه دليل على أن الجهاد واجب والمعنى لا عذر لكم في ترك الجهاد وقد بلغ حال المستضعفين ما بلغ من الضعف والأذى {والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان} قال ابن عباس يريد ان قوماً من المؤمنين استضعفوا فحبسوا وعذبوا وقيل كان هؤلاء بمكة يلقون من المشركين أذى شديداً. وكان أهل مكة قد اجتهدوا أن يفتنوا قوماً من المؤمنين عن دينهم بالأذى لهم وكانوا مستضعفين في أيديهم ولم يكن لهم بمكة قوة يمتنعون بها من المشركين فعلى هذا يكون معنى الآية: وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله وفي خلاص المستضعفين. وقال ابن عباس معناه وعن المستضعفين لأن المراد صرف الأذى عنهم.
(خ) عن ابن عباس في قوله: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين} الآية. قال كنت أنا وأمي من المستضعفين وفي رواية ابن أبي مليكة قال تلا ابن عباس {إلاّ المستضعفين من الرجال والنساء والولدان} قال كنت أنا وأمي ممن عذر الله أنا من الولدان وأمي من النساء فعلى هذه الرواية الثانية من حديث ابن عباس يكون معنى والمستضعفين إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان فإنهم ممن عذر الله في ترك القتال والولدان جمع وليد وهو الصبي الصغير {الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية} يعني مكة {الظالم أهلها} يعني الظالم أهلها أنفسهم بالشرك لقوله تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم} وذلك أن المستضعفين لما منعهم المشركون من الهجرة من مكة إلى المدينة دعوا الله عز وجل فقالوا ربنا أخرجنا من هذه القرية يعني مكة الظالم أهلها بالشرك {واجعل لنا من لدنك ولياً} يعني ولياً يلي أمرنا {واجعل لنا من لدنك نصيراً} يبصرنا ويمنعنا من العدو فاستجاب الله دعاءهم وجعل لهم من لدنه خير ولي وخير ناصر وهو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتولى أمرهم ونصرهم واستنقذهم من أيدي المشركين يوم فتح مكة واستعمل عليهم عتاب بن أسيد وكان ابن ثمان عشرة سنة فكان ينصر المظلمومين على الظالمين ويأخذ للضعيف من القوي.
قوله عز وجل: {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله} يعني في طاعة الله وإعلاء كلمته وابتغاء مرضاته {والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت} يعني في طاعة الشيطان {فقاتلوا أولياء الشيطان} أي فقاتلوا أيها المؤمنون حزب الشيطان وجنوده وهم الكفار {إن كيد الشيطان كان ضعيفاً} الكيد السعي في الفساد على جهة الاحتيال ويعني بكيده ما كاد المؤمنين به من تخويفه أولياءه الكفار يوم بدر وكونه ضعيفاً لأنه خذل أولياءه الكفار لما رأى الملائكة قد نزلت يوم بدر وكان النصر لأولياء الله وحزبه على أولياء الشيطان وإدخال كان في قوله ضعيفاً لتأكيد ضعف كيد الشيطان.


قوله عز وجل: {ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} قال الكلبي نزلت في عبد الرحمن بن عوف الزهري والمقداد بن الأسود الكندي وقدامة بن مظعون الجمحي وسعد بن أبي وقاص وجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يلقون من المشركين أذى كثيراً بمكة قبل أن يهاجروا فكانوا يقولون يا رسول الله ائذن لنا في قتالهم فإنهم قد آذونا فيقول لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفوا أيديكم فإني لم أومر بقتالهم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة» يعني قيل لهم كفوا أيديكم عن قتالهم وأدوا ما افترض عليكم من الصلاة والزكاة وفيه دليل على أن فرض الصلاة والزكاة كان قبل فرض الجهاد {فلما كتب عليهم القتال} أي فرض عليهم جهاد المشركين وأمروا بالخروج إلى بدر {إذا فريق منهم} يعني إذا جماعة من الذين سألوا أن يفرض عليهم الجهاد {يخشون الناس} يعني يخافون مشركي مكة {كخشية الله أو أشد خشية} أو بمعنى الواو يعني أشد خشية {وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال} يعني لمَ فرضت علينا الجهاد {لولا أخرتنا إلى أجل قريب} يعني هلاّ تركتنا ولم تفرض علينا القتال حتى نموت بآجالنا والقائلون لهذا القول هم المنافقون لأن هذا القول لا يليق بالمؤمنين وقيل قاله بعض المؤمنين وإنما قالوا ذلك خوفاً وجنباً لا اعتقاداً ثم إنهم تابوا من هذا القول {قل} أي قل لهم يا محمد {متاع الدنيا قليل} يعني أن منفعتها والاستمتاع بالدنيا قليل لأنه فان زائل {والآخرة} يعني وثواب الآخرة {خير لمن اتقى} يعني اتقى الشرك ومعصية الرسول صلى الله عليه وسلم {ولا تظلمون فتيلاً} أي ولا تنقصون من أجوركم قدر فتيل.
(م) عن المستورد بن شداد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه هذه وأشار يعني بالسبابة في اليم فلينظر بم ترجع».
قوله عز وجل: {أينما تكونوا يدرككم الموت} نزلت في المنافقين الذين قالوا في قتلى أحد لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا فرد الله عليهم بقوله تعالى: {أينما تكونوا يدرككم الموت} يعني ينزل بكم الموت فبيّن تعالى أنه لا خلاص لهم من الموت وإذا كان لا بد لهم من الموت كان القتل في القتال في سبيل الله وجهاد أعدائه أفضل من الموت على الفراش لأن الجهاد موت تحصل به سعادة الآخرة ثم بيّن تعالى أنه لا بد لهم من الموت وأنه لا ينجي منه شيء بقوله: {ولو كنتم في بروج مشيدة} البروج في كلام العرب الحصون والقلاع والمشيدة المرفوعة المطولة وقيل هي المطلية بالشيد وهو الجص {إن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله} نزلت في المنافقين واليهود وذلك أن المدينة كانت ذات خير وأرزاق ونعم عند مقدم النبي صلى الله عليه وسلم فلما ظهر نفاق المنافقين وعناد اليهود أمسك الله عنهم بعض الإمساك فقال المنافقون واليهود ما زلنا نعرف النقص في ثمارنا ومزارعنا منذ قدم علينا هذا الرجل وأصحابه.
فقال الله تعالى وإن تصبهم يعني المنافقين واليهود حسنة أي خصب في الثمار ورخص في السعر يقولوا هذه من عند الله يعني من قبل الله {وإن تصبهم سيئة} أي جدب في الثمار وغلاء في السعر {يقولوا هذه من عندك} يعني من شؤم محمد وأصحابه وقيل المراد بالحسنة الظفر والغنيمة يوم بدر وبالسيئة القتل والهزيمة يوم أّحد ومعنى من عندك أنت الذي حملتنا عليه يا محمد فعلى هذا القول يكون هذا إخباراً عن المنافقين خاصة {قل} أي قل لهم يا محمد {كلّ من عند الله} يعني الحسنة والسيئة والخصب والجدب والغنيمة والهزيمة والظفر والقتل فأما الحسنة فإنعام من الله وأما السيئة فابتلاء منه {فمال هؤلاء القوم} أي فما شأن هؤلاء القوم المنافقين واليهود الذين قالوا ما قالوا {لا يكادون يفقهون حديثاً} يعني لا يفقهون معاني القرآن وأن الأشياء كلها من الله عز وجل خيرها وشرها.

11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18